وقف ماهر سمسمية، 43 عاماً، أمام كومة من الأسلحة التي تم تسليمها في مكتب حزب البعث يوم الخميس، في إشارة إلى نهاية رمزية لقبضة نظام الأسد التي استمرت عقوداً من الزمن على سوريا.
ابتسم سمسمية، بلحيته الخفيفة التي تكشف عن سنه، بارتياح وهو يسلم بندقيته ــ في عمل من أعمال التحدي ضد نظام أجبر كثيرين مثله على الاصطفاف وراء أيديولوجيته القمعية.
وقال سمسمية بصوت مشوب بثقل التحرير: "نحن لم نعد بعثيين".
جاءت هذه اللحظة بعد أيام قليلة من السقوط المفاجئ لحكومة الرئيس بشار الأسد.
سيطرت قوات مناوئة للنظام، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، على العاصمة دمشق، ومعها حكم الإرهاب الطويل لحزب البعث.
وتذكر سمسمية، أحد أعضاء "الطليعة" في الحزب، دوره في تجنيد المدنيين وتسليحهم لدعم الجيش السوري.
وأعرب عن أسفه على الشهداء الكثيرين الذين فقدوا حياتهم في قضية لم يفهموها بالكامل.
وقال وهو يتأمل الهدر المأساوي للحياة في ظل النظام: "لم يكونوا يعرفون سبب موتهم".
وكان سقوط حزب البعث سريعا.
وقبل ذلك بيوم واحد، أي يوم الأربعاء، أعلن الحزب تعليق أنشطته "حتى إشعار آخر".
ومع دخول القوات المناهضة للنظام إلى العاصمة، تخلت القوات العسكرية التابعة للأسد عن مواقعها، تاركة وراءها فراغاً في السلطة ونظاماً منهكاً.
وعند بوابة المكتب، سلم أعضاء سابقون آخرون في حزب البعث بنادقهم، بما في ذلك فراس زكريا، وهو موظف حكومي في وزارة الصناعة.
وقال زكريا، وقد بدت على وجهه ابتسامة مختلطة بين الارتياح والاستسلام: "نحن نتعاون من أجل مصلحة البلاد".
مثل العديد من السوريين، اضطر زكريا إلى الانضمام إلى الحزب للحصول على وظيفة. وأوضح: "كان عليك أن تكون عضوًا في حزب البعث للحصول على وظيفة".
لقد كان حزب البعث، الذي أسسه عام 1947 اثنان من القوميين السوريين هما ميشيل عفلق وصلاح البيطار، رمزاً للوحدة العربية لفترة طويلة.
ولكن التحول نحو الاستبداد والعنف، وخاصة في عهد حافظ الأسد، هو الذي مهد الطريق لعقود من القمع.
وقد ورث ابنه بشار الأسد الإرث الوحشي للحزب، الذي انهار قبل أربعة أيام فقط عندما اقتحمت القوات المناهضة للنظام دمشق.
وفي داخل المقر الرئيسي لحزب البعث الذي كان مهيباً في السابق، كانت الأدلة على سقوط النظام موجودة في كل مكان.
كانت أكواب القهوة وفتات الخبز ملقاة على الطاولة دون أن يمسها أحد.
ووسط وثائق متناثرة، وقفت سيارات فاخرة مهجورة، في حين كان عناصر هيئة تحرير الشام يحرسون المدخل وبنادقهم معلقة على أكتافهم.
وفي بادرة رمزية من التحدي، قام أحد أعضاء هيئة تحرير الشام بتحطيم شعار حزب البعث بمؤخرة بندقيته.
وفي الخارج، كان تمثال حافظ الأسد مقلوبًا، في تحية مناسبة للمستبد الساقط.
ويتأمل مقبل عبد اللطيف (76 عاماً)، الذي انضم إلى حزب البعث عندما كان تلميذاً في المدرسة، ما كان يمكن أن يحدث، فيقول بصوت مثقل بالندم: "لو ظل البعث على المسار الصحيح، لكانت البلاد اليوم في حالة أفضل".