
حلويات العيد في دمشق.
مع بزوغ فجر عيد الفطر المبارك، تعود أفراح الأسر الدمشقية إلى سابق عهدها، محملة بعبق التقاليد العريقة التي طالما ميزت هذه المدينة. هذا العام، شهد العيد عودة قوية لصناعة حلويات العيد المنزلية، وعلى رأسها “المعمول”، التي تعبر عن روح التراث السوري، وسط فرحة شعبية بعد انتصار الثورة والسير نحو الاستقرار.
**المعمول.. ذاكرة الطفولة ورائحة التاريخ**
كانت العائلات تجتمع قبل العيد لتحضير المعمول يدوياً باستخدام قوالب خشبية منقوشة، حيث تتنافس النسوة في حشو العجينة بالتمر أو الجوز أو الفستق الحلبي، بينما يقوم الرجال بتحميص المكسرات وطحنها. تقول الحاجة أم علي (65 عاماً): “كانت الجارات يتعاونّ في صنع المعمول، كل عائلة تُعد كميات كبيرة لتوزيعها على الأقارب، وكنا نعتبرها مناسبة للتواصل قبل العيد”.
**سنوات الحرب: حلويات تختزل التحدي**
خلال سنوات الحرب، تحولت هذه الممارسات إلى تحدٍّ، حيث ارتفعت أسعار المواد الأساسية واضطر كثيرون إلى الاستعاضة عن المكونات التقليدية ببدائل أقل جودة أو التوقف عن الصناعة المنزلية. لكن مع انتصار الثورة وبدء مرحلة التعافي، عادت الحياة تدريجياً إلى طبيعتها، ويشير عدد من الباحثين الاقتصاديين إلى انخفاض أسعار المواد الغذائية بنسبة وصلت إلى 30% مقارنة بالعام الماضي، مما أعاد الأمل لإحياء التقاليد.
**العيد الأول بعد النصر: فرحة مزدوجة**
في أحياء دمشق القديمة، مثل الشاغور والميدان والصالحية، يتحدث السكان عن “عيد استثنائي”، إذ تتزامن فرحة الانتصار مع عودة الروح الجماعية لإعداد الحلويات. يقول أبو محمد (45 عاماً)، صاحب محل لبيع المكسرات: “هذه أول سنة أشهد فيها إقبالاً كبيراً على شراء الفستق الحلبي والجوز منذ سنوات، والناس باتت قادرة على توفير مكونات المعمول من جديد”، مشيراً إلى أن المنحة المالية من الحكومة للموظفين قبيل العيد ساهمت في إنعاش الأسواق.
**”السكبة”.. كرم السوريين تختزله العادات**
لا تكتمل طقوس العيد في دمشق دون “السكبة”، وهي عادة اجتماعية تعكس كرم السوريين، حيث تفتح الأسر أبوابها لاستقبال الضيوف وتقديم تشكيلة من الحلويات والفواكه والمكسرات، خاصة المعمول. توضح سمر (32 عاماً): “السكبة ليست مجرد ضيافة، بل رسالة أن أبناء دمشق يساندون بعضهم، مهما مرت عليهم الظروف”.
**من الماضي إلى الحاضر: تراث دمشق لا يموت**
اليوم، رغم انتشار الحلويات الجاهزة، تفضل معظم الأسر الدمشقية التمسك بالصناعة المنزلية، ليس فقط للتفاخر بالمذاق الأصيل، بل لإحياء ارتباط وجداني بذاكرة المدينة. كما بدأت مبادرات شبابية بتعزيز هذه التقاليد عبر ورشات تعليمية لصنع المعمول، في إطار جهود الحفاظ على التراث غير المادي.
عادت أفراح العيد إلى دمشق هذا العام بثوب جديد، يحمل في طياته انتصار الإرادة الشعبية، والتأكيد أن نكهة المعمول ورائحة القهوة المُرافقة لـ “السكبة” ستظلان جزءاً من هوية شعبية تربط بين الفرحة الشخصية وفرحة الوطن.